"خلق الله النباتات على الكرة الأرضية قبل أن تطأها دم إنسان أو حافر حيوان، لأن النباتات هي الغذاء الأساسي لكل مخلوق حي وبدونه لا وجود للحياة.
ومنذ أن خلق الله الإنسان والحيوان وجدت الأمراض التي تنتابهما.
كما أن الله، عز جلاله، قد جعل النباتات غذاء لا تستغني عنه الحياة، فد أوجد فيه أيضاً الدواء للأمراض. وأعطى الحيوان الذي لا يعقل ولا يفكر غريزة الاهتداء إلى نوع النبات الذي يشفيه من مرضه. وترك للإنسان العاقل أن يهتدي إلى النباتات الشافية من الأمراض، بالدراسة والتجارب والاستنتاج.
وتاريخ التطبيب بالأعشاب قديم جداً يرجع إلى العصور الأولى من التاريخ. فبعض المخطوطات من أوراق البردي وقبور الفراعنة، دلت على أن الكهنة في ذلك الوقت، كان عندهم معلومات كثيرة بأسرار الأعشاب والتداوي بها، حتى أن البعض من هذه الأعشاب الشافية وجد بين ما احتوته قبور الفراعنة من تحف وآثار.
كذلك هناك ما يثبت أن قدماء الهنود قد مارسوا، كقدماء المصريين هذه المهنة أيضاً، وحذقوا بها، ومنهم (سوسورتا) Susurta. ثم جاء بعد ذلك قدماء حكماء اليونان ووضعوا المؤلفات عن التداوي بالأعشاب في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد، وأشهرهم في هذا المضمار (أبوقراط) و (ثيوفراستوس) و (ديسقوريدس) و (بلينوس). وظلت مؤلفات هؤلاء عن التداوي بالأعشاب المصدر الأساسي لهذا العلم، حتى جاء العرب المسلمون، وتوسعوا في هذا العلم بتجارب جديدة، وفي مقدمتهم (الرازي) و(ابن سينا).
وفتح العرب للأندلس خدم طب الأعشاب في أوروبا، بأن زودها بالكثير من معلومات الأطباء العرب والمسلمين، وأعشاب الشرق. كما أن الحروب الصليبية كانت كذلك بالنسبة للشرق. وازدهر هذا العلم كثيراً بعد اكتشاف القارة الأمريكية وما فيها من كنوز كثيرة من الأعشاب الطبية.
وبعد اكتشاف الطباعة في القرن الخامس عشر للميلاد كثرت المؤلفات عن التداوي بالأعشاب، وعم انتشار هذه المؤلفات بحيث كانت إلى جانب الإنجيل لا يخلو منها بيت من البيوت في أوروبا. وقد ظل التداوي بالأعشاب حتى ذلك التاريخ مستنداً إلى التجارب والنتائج فقط دون الاهتمام بالبحث العلمي عن موادها الشافية أو طرق تأثيرها في جسم المريض.
أثر الإسلام في تقدم الطب في المجتمع العربي الإسلامي
تأثر المجتمع العربي بصورة عميقة بظهور الإسلام، فبعد أن كان مجتمعاً بدوياً متأخراً تعيش فئات قليلة منه في مدن صغيرة كالقرى، وتعيش غالبيته على شكل قبائل بدوية تنتقل من مكان لآخر، تحول في أقل من خمسين عاماً إلى مجتمع يضم عدة مدن ضخمة يقطنها عدد كبير من السكان.
استقطب هذا المجتمع الجديد كثيراً من العقول المستنيرة التي كانت تقطن في البلاد المجاورة، ذات الحضارة العريقة، كما أنه اجتذب جميع العاملين في حقل العلم من سكان البلاد المفتوحة. ويعود السبب في ذلك إلى عاملين: انتشار روح التسامح الديني تجاه أهل الكتاب، وهو ما يأمر به الإسلام , ووجود مجال رحب للعمل والربح في جميع البلاد التي انتشر فيها الإسلام.
حارب الإسلام الخرافات الطبية، وجعل الطيرة والتمائم والرقى من الشرك. وكفّر كل من استشار عرّافاً أو كاهناً أو توجه لغير الله. وعدّ المنجمين كاذبين ولو صدقوا. وحثّ على النظافة وحفظ الصحة في العبادات من وضوء وصوم.
ومن جهة ثانية أجاز الإسلام الإسترقاء، وحضّ على معالجة المرضى بالصدقة، وهما شكلان من أشكال المعالجة النفسية التي تستند إلى الإيمان وتتم بالإيحاء.
ولم يكتف الإسلام بالمعالجة النفسية، بل كان يقرنها دائماً بالمعالجة المادية. وقد روي عن النبي،صلى الله عليه وسلّم، أنه بينما كان يصلي إذ لدغته عقرب في إصبعه، فدعا بإناء فيه ماء وملح، فوضع فيه إصبعه وهو يقرأ القرآن حتى سكن ألمه.
ومن الأحاديث الشريفة للنبي،صلى الله عليه وسلّم، ""ما أنزل الله داء وإلاّ أنزل له شفاء""، وأيضاً: ""يا عباد الله تداووا، فإن الله عز وجلّ لم يضع داء إلاّ وضع له دواء إلاّ واحداً وهو الهرم"" .
وفي الأحاديث النبوية مجموعة كبيرة من النصائح فيما يتعلق بالطب النبوي الوقائي والعلاجي. ومن أوامر الرسول التي تعد أساساً في الطب الوقائي، الحض على العزل وذلك بقوله الشريف: ""إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها"".
أما بالنسبة للطب العلاجي فقد أوصى النبي،صلى الله عليه وسلّم، بالمداواة بالعسل وبلبن الإبل وبالحبة السوداء وغيرها، كما نصح بالحجامة والكيّ.
كما أكّد أنّ أصل الأمراض كلها إنّما هو الأغذية بقوله الشريف: ""المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء، وأصل كل داء البردة"".[2]"